الجمعة، 10 أبريل 2015

امتداد -- الفن النادر -- جريدة الجزيرة الأحد 18 شوال 1434


السخرية والفكاهة الهادفة ذات القيمة الفنية العالية من أصعب الفنون، والكتابة فيها تحتاج لموهبة غير عادية وفكر متقد قادرعلى التقاط أدق الصور واقتناص أندر الأفكار وصياغة كل هذا في قالب ساخر يدهش المتلقي قبل أن يقنعه ويفتح أمامه امداء واسعة للتأمل قبل أن يزرع البسمة على الشفاه ويوقد البهجة في أعماق النفس.

القصائد الساخرة التي صاغها قلة من الشعراء الرائعين والمتمكنين هي في ظني من أصعب أغراض الشعر، ورسالتها أعمق من بريق سطحها وإغراء شكلها.. والشعراء الذين أبدعوا في فن السخرية والفكاهة هم في الغالب مستعمرات دائمة للحزن.. عاشوا الحزن وتعايشوا معه واكتووا بناره وتحملوا لهيبه حتى صقل مواهبهم وحرك الكامن القصي في أعماقهم

هولاء الذين يزرعون البسمة على الشفاه وينثرون عبق البهجة في الأعماق هم في الغالب أوطان للحزن وسفراء للألم ومايسوقونه لنا من إبداع مبهرهو تحدٍ صارخ للحزن في أعمق صوره والألم في اقسى درجاته.

الشعر الساخر نادر، والكتابة فيه اشبه باقتناص طائر غير مألوف عبر فضاء الفكر بكل شدوه وجراحه وألمه.. مرة أخرى اؤكد ان الشعر الساخر من أصعب اغراض الشعر والكتابة فيه تحتاج مواصفات خاصة أبرز مكوناتها الذكاء الحاد في اقتناص الفكرة والذكاء الحاد كذلك في طريقة التعامل معها وطرحها.. لذلك فشل كثيرون خاضوا في هذا المجال بدون أن يعرفوا وعورة الطريق ومخاطر تشعباته، وان الفشل فيه أكثر من النجاح.. أما القلة التي نجحت في هذا الغرض الشعري الصعب فهم شعراء غير عاديين متمكنين من أدواتهم الإبداعية بكل اقتدار وتمكن.. لست في مجال سرد اسماء من نجح وأخفق في هذا الحيز لضيق المساحة وخشيت ان أظلم الكثيرين بنسياني لهم.. فقط هو ضوء صغير يتجه صوب قلة من الشعراء المبدعين قطفوا لنا الورد من صحاري أحزانهم ومعانا تهم وآلامهم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق