الجمعة، 10 أبريل 2015

امتداد -- الغرق السريع -- جريدة الجزيرة الأحد 02 ذو القعدة 1434


تلجأ فئة من الشعراء في مختلف الأزمنة الى ركوب الصعب والبحث عما يعتقدونه تميزاً واختباراً حقيقياً للموهبة والثقافة والإتيان بما لم يأتِ به غيرهم، فيسلكون مسالك وعرة متوهمين أنها جوهر الشعر وذروته وأصعب أنواعه، وهي على العكس من ذلك. بعض هؤلاء الشعراء تستهويهم القوافي الصعبة جداً بل والشاذة أحياناً، فيكدون أذهانهم من أجل اصطيادها والظفر بها، والكثير منهم حين يفعل ذلك يغرق بالسطح ويتوه ببريق الشكل على حساب المعنى.. وهناك من يحرص على نظم قصائد محشوة بالكلمات المتشابهة ذات الحروف المكررة، من أجل إثبات التفوق والنبوغ.. وثالثهم من يكتب بصنعة واضحة قصائد مهملة كل كلماتها خالية من النقط لذات الهدف.. جل هؤلاء استهواهم الشكل والبريق فجاءت قصائدهم ذات معان هشة وصور مهزوزة وخيال متدن وأسلوب ركيك، وهي في المجمل قصائد صنعة وتكلف تخلو من الشعر الحقيقي بكل نشوته وعنفوانه وعمقه وألقه. من المستساغ أن يجرب الشاعر أدواته ويستعرض مهاراته في مثل هذا الشعر المصنوع والمحنط بقصيدة واحدة، وإن شئت سمها منظمومة، لكن غير المستساغ أن تصبح هذه الأنواع من النظم هي ديدن الشاعر وهمه الأساس، وأن يسخر موهبته ويكد ذهنه من أجلها. القصائد المتكلفة في الغالب تفتقر للشعر الحقيقي ولفنيات الجمال والإقناع ولا يصفق لهذه القصائد إلا من فقد حاسة تذوق الشعر الصحيح كما ينبغي. جمال الشعر في بساطته وسلاسته وانحيازه للفطرة والتحامه مع الموهبة التي هي هبة الله للشاعر.. ابدع كما تشاء وحلق مع خيالك في كل فضاء وارحل الى كل أرض.. غامر وقامر، فكل المساحات تحت قدميك وكل الفضاءات متاحة لجناحيك، لكن ليكن كل هذا في عمق نصك ونبضه وهفهفات روحه وليس في شكله فقط.. الشعر أهم وأسمى من مخاتلات السطح ومكامن القشر التي يلجأ إليها البعض..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق