الأحد، 31 يناير 2016

امتداد --- سلمى --- جريدة الجزيرة الأحد 21 ربيع الثاني 1437


الحميدي الثقفي شاعر يشعل قناديل قصائده من ضوء القمر.. زيتها وعي مشرق وأشعتها فكر مغدق.. الحميدي بفكره ووعيه وثقافته وتميزه الإبداعي قادر على استنبات الدهشة من تربة التفرد بعد أن يسقيها من مطر ابداعه ووعيه:
صاح بي/ صاحبي.. والليل عطر الكتابه
كيف نبني وطن للمتعبين اغتراب
كيف تطلع يدينك يارفيق الصبابة
وانت للتمر في شفتك طعم الغياب
قلت له: ظلك الناضح بريق ومهابه
اطعن الظل واكتب من دماه الجواب
من رقى نخلة الدفتر وشق السحابة
تغسله باحتمالات المطر والتراب
كلما خدرت صحو السؤال الاجابة
سال قيض تشجر من عروق السحاب
فوق نخل جنو طلعه وخانوا ترابه
وارتدوا فوق ثوب الطين.. طين الثياب
نجوى شفيفة.. بل صرخة عنيفة فيها عمق والق وشعر وشعور ونار ونور !.
أكرر دائما انحيازي للأسئلة واحب الشعراء الذين يطرحونها بوعي وذكاء والحميدي في مقدمة هؤلاء المتفردين.
المفردة.. الصورة.. وقبلها الفكرة.. تتجلى في هذا النص بمهارة مبدع عرف أن الشعر ليس بريق الخارج ولا جاذبية الشكل فقط.. بل قيمة الشعر في عمقه وجزالته وامتلائه من الداخل.
صبي الغيم يا سلمى لناسٍ غلابه
من عطشهم على الما يحلبون السراب
اظهري مثل نفحة برق.. والفجر غابة
واختفي مثل ورده في ظنون الكتاب
غصنها يعزل الما من سراب التشابه
والنسانيس ترسم به نوافذ.. وباب

الجمعة، 29 يناير 2016

امتداد --- الشبيه --- جريدة الجزيرة الأربعاء 17 ربيع الثاني 1437


هو تتبّعك بكل حركاتك وسكناتك.. عودة الصوت وارتداده إليك.. هو ( النكتف ) للصورة والظل للشخص.. إنه الصدى بكل تتابعه وتبعيته!.
كتبت عنه قبل فترة وأعيد الكتابة عنه الآن بشكل أوضح علّ الرسالة تصل!.
كثير من المبدعين عموماً والشعراء على وجه الخصوص تاهوا وبهتوا وانتهوا لأنهم أصبحوا مجرد صدى لأصوات معروفة ومؤثرة أو حتى شبه معروفة ومحدودة التأثير!.. قلّدوها.. انساقوا خلف ضوئها وبريقها، حاولوا أن يشبهوها أو يتشبّهوا بها لكنهم فشلوا.
الصدى أو الظل لا يصنع دهشة ولا يُنتج إبداعاً مميزاً.. الصدى شبيه والشبيه لا يكون أصلاً بل تابعاً.. حين تختار أن تكون ظلاً فأنت تقرر التخلي عن كل خصائصك الإبداعية ومزاياك الجمالية، وكل قيم التفرد التي تميزك عن سواك لتصبح ،تابعا وصدى يحمل ملامح غيره وصفات لا تتسق مع شخصيته ومكوّناته الشخصية والإبداعية.
أفضل من جسّد الصدى رغم نرجسية التجسيد وعلو صوت الأنا داخل القصيدة، هو الفخم الضخم المتنبي حيث يقول بكل علو وثقة وغرور كما هو في الكثير من قصائده:
وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي
إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا
فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّرا
وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا
أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا
بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني
أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
الجميل في أبيات المتنبي هو تجسيده لظاهرة الصدى بشكلها الفردي والجماعي، وقد أبدع في الوصف والتشخيص.
الأكيد أن عمر الصدى أو الظل قصير وتأثيره محدود وقيمته الفنية والإبداعية ضئيلة جداً.

الأحد، 24 يناير 2016

امتداد --- سيحة البال --- جريدة الجزيرة الأحد 14 ربيع الثاني 1437


(سيحة البال).. حالة استثنائية من الفرح والأنس والعلو.. وهي بالتعبير الشعبي الدارج روقان المزاج و(فلة الحجاج) والوناسة!.. وعلاماتها انشراح الصدر وارتياح النفس والإقبال الجميل على مواطن الفرح والسعادة.. كما أنها دافع جميل للبوح العذب الندي والسوالف الشجية الجميلة.. ومحفزاً قوياً لـ(التهيض) المقمر المعطر.
وسيحة البال مطلب هام ومحبب لكل إنسان سواء كان ذكراً أو أنثى.. وهي للكبار المسكونين بالإحساس المرهف أشد أهمية لأنهم أكثر الناس حاجة لها وفرحاً بها.
سيحة البال -على ندرتها- تخلق لدى المبدع عموماً والشاعر على وجه التحديد حالة من الهياج الشعوري الجميل والإيجابي وتحلق به في فضاءات عالية من الفرح والتفاؤل وتوجد له عوالم جميلة شبه خالية من أسباب الشقاء وبواعث الحزن.
الجميل من القصائد كتبت بسبب هذه الحالة الرائعة والكثير من الجراح تم علاجها بمبضع سيحة البال ودواء الصفح والتسامح والنسيان حاضراً دائماً مع هذه الحالة ومقترنة بها!
وسيحة البال.. تطيب وتكمل مع الفنجال أو يحلو الفنجال بها.. كما يقول راكان بن حثلين في قصيدته الشهيرة.. كما أن للجلاس القادرين على التحليق بك ومعك في سماوات الفرح دور مهم في ذلك.. بعكس ثقيل الدم و(النكدي) الذي يفسد عليك جمال الحالة.
يقول راكان في مطلع قصيدته المعروفة:
يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال
في مجلس ٍما فيه نفسه ثقيلة
هذا ولد عم ٍوهذا ولد خال
وهذا رفيق ٍما لقينا مثيله
دامت أيامكم عامرة بالحب والسعادة ومجالسكم معطرة بـ(سيحة البال).

الأحد، 17 يناير 2016

امتداد --- اهز جذع المسافة --- جريدة الجزيرة الأحد 7 ربيع الثاني 1437


كان فهد عافت بكامل أناقته الشعرية والشعورية والفكرية وفخامته الإبداعية واللغوية وهو ينسج هذا النص الفاخر قبل أكثر من عقدين من الزمن ويقطفه حرفاً حرفاً.. شطراً شطراً من سماوات الإبداع وفضاءات التفرّد.
فهد عافت في العديد من نصوصه القديمة وفي مقدمتها هذا النص الفخم يدرك أنه يكتب بشكل مختلف عن السائد.. نسق يحرض على العلو والبعيد النادر من الأفكار والمعاني.
اهز جذع المسافة ويتساقط مدى
أهز جذع القصيدة ويتساقط نخيل
تزهر يديني أحس انه طريقي بدا
واقول حيا على هذا الفلاح الجميل
أبدا بتجهيز اوراقي، وقطرة ندى
أشوفها من على خد النوافذ تسيل
اتمنى أن يجد هذا النص وغيره من النصوص الفارقة في مسيرة الشعر الشعبي المعاصر ناقداً خبيراً لديه الرغبة والقدرة في استنطاق النصوص العميقة الأنيقة وإن كنت أشك بوجود مثل هذا الناقد لكنها تبقى أمنية!
آخذ معي كل ما يخطر في بالك. عدا
ثوبٍ تركته معلق في جدارٍ هزيل
تبكي الستاير تناديني.. أرد الندا:
عمر الشقي يا ستاير - لا تخافي- طويل
أودع البيت، يا جدران طين وصدى
من كان مثلي رحيله أرض وارضه رحيل؟!
أسير حافي قدم.. دربي ضلال وهدى
وجهي سحاب وظما.. صوتي نواح وعويل
أقطع مشاوير تقطعني بطيب وردى
واصير انا الهين الميسور والمستحيل
وليا لقيت الطريق اللي مشيته غدى
قصير مثل الفرح.. مثل الليالي بخيل
أهز جذع المسافة ويتساقط مدى
أهز جذع القصيدة ويتساقط نخيل

الجمعة، 15 يناير 2016

امتداد --- جا مشبهاني على خف وجناح --- جريدة الجزيرة الأحد 30 ربيع الأول 1437


كثيراً ما أتوقف عند هذا النص الخارج عن نطاق المألوف الفني في زمنه والمتجاوز على الكثير من السائد والمتعارف عليه من القصيد في حينه.. في هذه القصيدة للشيخ الفارس تركي بن حميد صور لم يألفها مجايلوه وأفكار متجاوزة لم يعهدها معاصروه.. والقصيدة رغم بساطتها التي تغري الكثيرين بسبر أغوارها وفهم كنهها، إلا أن فيها الكثير من الرمز والبعيد من الخيال، وقد تكون مرحلة متقدمة من التجديد في الشعر الشعبي.
البعير أو الجمل هنا نوع غريب وعجيب.. مزيج من الواقع والخيال.. يعدو ويطير يأتي بالعجائب! والشاعر هنا يوجه قصيدته لصديقه محمد بن هادي وهو شيخ وشاعر يثمن جزل القول ويزن الأفكار بميزان الفهم والحكمة.. وقد تعامل بن هادي مع قصيدة تركي بن حميد بكل جدية وأولاها اهتماماً كبيراً تقديراً للقصيدة وقائلها.
يقول تركي واصفاً الجمل المُتخيل:
يا راكب اللي ما يداني الصفيري
هميلع من نقوة الهجن سرساح
أمه نعامة واضربوها بعيري
جا مشبهاني على خف وجناح
عليه خرج من سلوك الحريري
وسفايفه مثل الغرابين طفاح
يسرح من الطايف ويمسي البصيري
والسوق والبصرة دهجهن بمرواح
مزهبك يا راعيه تمر ومضيري
واحذر تشب النار يجفل من الضاح
واليا ورد يشرب ثمانين بيري
غرافهن تسعين ودليهن ماح
رجليه بالحرة وصدره يسيري
ويشرب براسه من على جمه رماح
ياويش هو شي طويل قصيري
يسبق زعاجيل الهوا يوم تنداح
وقد تعامل الشيخ محمد بن هادي مع القصيدة السابقة بجدية، فرد عليها بأسلوب شعري نادر فيه نوع من التحدي:
يا تركي بن حميد وش ذا البعيري؟
ما تجلبونه كان تبغون الأرباح
لا عاد له خف وجناح يطيري
أنا أذكر الله راكبه كيف ما طاح
كيف النعامة نوخت للبعيري
أقول ذا كذب على الناس فضاح