الاثنين، 22 فبراير 2016

امتداد --- الأغنية المٌحتشمة --- جريدة الجزيرة 12 جمادى الأول 1437


قبل ثلاثة عقود تقريبا عٌرف وانتشر مايسمى بالنشيد الإسلامي وكان محكوما بضوابط صارمة ومعايير قوية - من حيث الكلمة واللحن - يصعب على أي منشد تجاوزها أو القفز فوقها.. كانت ألحان الأناشيد الإسلامية في بدايتها جديدة ومبتكرة وخالية من المؤثرات تماما سوا بعض المؤثرات البشرية الخفيفة التي لاتدركها إلا الأذن المتخصصة! كما أن قصائد الأناشيد تٌختار بعناية وهي في الغالب قصائد حماسية ووعظية تتناول قضايا الدين والأمة وتكرّس بعض القيم والأخلاق الفاضلة وكان الغزل مستبعدا ومنفيا عن تلك الأناشيد .. استمر حال النشيد الإسلامي على هذا النسق سنوات وبرز له روادا صنعوا له ولهم حضورا واسعا وجماهيرية كبيرة .. بعدها بدأ النشيد يتنازل عن بعض مٌسلماته وقناعاته ودخل الى ساحته اسماء جديدة تحايلت على النسق الموجود بإدخال بعض المؤثرات البشرية أولا والطبيعية ثانيا ثم التطريبية بعد ذلك! وانفتحت على أغراض شعرية جديدة لم تكن مألوفة من قبل بما فيها الغزل!. تسارعت الخطى في هذا الفن الجديد فظهرت الشيلة او الشلّة وانتشرت بشكل واسع وتداخلت مع النشيد وأصبح الفصل بينهما صعبا لغير العارفين المتخصصين بهما..
من هنا اتسعت دوائر الأناشيد والشيلات وأصبح وجود المؤثرات بكل أشكالها وأضحى التلحين بالآلات الموسيقية أمراً طبيعياً! وأصبح الفن الشعبي ساحة مباحة لأقتباس الألحان وسرقتها! كما أضحى الغزل الحاضر الأقوى في أغلب منتجات النشيد والشيلة بعد أن كان مستبعدا في السابق ودخل في المجال متطفلون من غير اهله ولم يصمد إلا قلة من المخلصين لهذا الفن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل دون تقنين أو محاسبة!.. لقد أصبح النشيد في الكثير من أشكاله والشيلات في الغالب من نماذجها أغاني مستترة أو متحجبة أو محتشمة! الكثير منها مكرور ورديء والقليل جيد وجميل!.

امتداد --- نسيت --- جريدة الجزيرة الأربعاء 8 جمادى الأول 1437


كنت وما زلت أغبط الأشخاص الذين يتمتعون بذاكرة قوية قادرة على الحفظ والاستذكار.. في كل مجلس أدبي أوجد فيه يصادفني رجل أو أكثر ممن يحفظون قصائد كثيرة طويلة وقصيرة ويسرد ما استطاع منها مع أحداثها ومسبابتها - ما شاء الله - وكأنه يقرأ من ورقة.. القدرة على الحفظ ملكة جميلة يهبها الله لبعض عباده وينبغي رعايتها والحرص عليها ومداومة شحذها والعناية بها.. كتب الأدب والتاريخ تمنحنا نماذج من رجال لديهم قدرات فائقة على الحفظ فمنهم من يحفظ كتباً كاملة ومنهم من يحفظ حوادث أو قصص أو قصائد بمجرد سماعها لأول مرة.. الشواهد كثيرة والنماذج متعددة لكن حديثي في هذا المقال يقتصر على الشعر.. والرواة هم الأبرز في هذا الجانب لكونهم يتمتعون بقدرة فائقة على الحفظ والتذكر والاسترجاع.. أما الشعراء فهم منقسمون إلى قسمين.. القسم الأول وهم الأغلبية - وأنا منهم بلا فخر - شعراء أصبحت الورقة ذاكرتهم الأهم ترصد قصائدهم وتحفظها وإليها يلجؤون عند إلقاء أي قصيدة قبل أن تتحول الورقة إلى جهاز الجوال في مرحلة لاحقة!.. هؤلاء الشعراء وهم السواد الأعظم لا يحفظون إلا القليل من شعرهم.. أما الكثير منه فهو رهين التدوين في الورق وذاكرة الهاتف!
القسم الثاني.. شعراء يحفظون كل قصائدهم أو أغلبها على الأقل وهؤلاء يتفوّقون على القسم الأول في الأنشطة المنبرية والمناسبات المختلفة والمجالس في الاستحضار والإلقاء كونهم ينصهرون مع القصيدة بدون الاستعانة بورقة أو جوال.. كما أن تفاعلهم أقوى وأجمل وتعابير أيديهم ووجوههم أكثر تناغماً واتساقاً.

الأحد، 14 فبراير 2016

امتداد --- المزهرية --- جريدة الجزيرة الأحد 5 جمادى الأول 1437


أبدع فهد السطامي كثيرا - في قصيدة «المزهرية» - في رسم لوحة شعرية مليئة بالإحساس النابض والشعور المتوقد والصور والأفكار المتجلية.. حلق فهد عاليا في تهيئته الجميلة وتوطئته الرائعة قبل الولوج الى عمق النص حيث النبيل الأصيل من المشاعر والأنيق العميق من الأحاسيس:
الدلع مخلوق لجلك والترف والمقدرية
والقلق مخلوق من شان اسهرك لاصرت راحل
مثلما للورد قيمة في حياة المزهرية
قيمة العمر بوجودك لوهشيم الوقت قاحل
وانت لولا الحب جاوزبك مدارات البريه
ماضويت اشهى سنيني لاحتفالاتك مراحل
مطر شعري كريم جادت به موهبة فهد يحمل نبوءة ربيع اخضر مختلف في جماله وورده.. انسيابية عذبة تقود الأبيات نحو مسالك الجمال ومعارج التميز.
الآن تحتدم الحالة/ القصيدة ويصبح مطر الشعر ديما:
لاذكرت إنك حبيبي هانت الدنيا الزرية
وإن ذكرت إني إحبك فزّع الشوق الرواحل
كلما واجهتني بعيونك النجلا الجريه
عشت خوف الموج لامن قابل صخور السواحل
وش بقى من لين قدك للرماح السمهرية؟
وش بقى من طعم همسك للعسل بين المناحل؟
دام لي شفٍ على لاماك وعزوم ضريه
من يقول إنك سبايب حالي اللي منك ناحل؟!
ياحبيبي والغلا لك والحلا والمقدرية
والألم مخلوق لجلي والقلق لا صرت راحل
في قصيدة «المزهرية» السطامي يجسد لك نصا منحازا للشعر الحق المستل من رحم موهبة حقيقية تدرك رسالة الشعر الصحيح وتنحاز لمبادئه وقيمه.

السبت، 13 فبراير 2016

امتداد --- هل انتهى زمن المعلقات --- جريدة الجزيرة الأربعاء 1 جمادى الأولى 1437


لم يعد مقبولاً في هذا الزمن كتابة القصائد المطولة وفرضها على ذائقة متلقٍ أَلِف السرعة واعتاد الاختصار.. في الماضي كان الشعر هو سيد الحضور وعطر المسامرات واريج الجلسات والأسفار.. كان هو الصوت الأهم والنديم الأجمل والأسمى ! وكانت الذوائق متعطشة لهذا الفن الجميل كما هي المسامع.. لذلك كانت القصائد الطويلة والملاحم حاضرة ومطلوبة ومرغوبة.. الآن وفي ظل انتشار الأجهزة الذكية وتعلق الكبار والصغار بها وتتبعهم لكل ما تفيض به من معلومات ونقاشات وتنوع معرفي لا يعرف حدا ومن قبلها الإنترنت والفضائيات بكل تنوعها وصخبها، لم يعد يمتلك المتلقي وقتا ولا صبرا كافيين للاستماع لقصيدة طويلة ناهيك عن فهمها واستيعابها.. نحن في زمن السرعة وتضاؤل مساحات الصبر واتساع مساحات الانشغالات وتنوعها.
من وجهة نظري أن القصيدة المبنية على سبعة أبيات كحد أدنى وستة عشر بيتا كحد أعلى هي المقبولة والمستساغة الآن ! كما انها الأكثر قدرة على جذب اهتمام المتلقي متى ما كانت عامرة بالشعر نابضة بالإبداع.. القصائد الطويلة من المفترض إلا يلجأ لها الشاعر إلا في حالات خاصة وفي أغراض ومناسبات معينة لا تستوعبها القصائد القصيرة والمختصرة.. ماعدا ذلك فالوقت والذائقة تتجه صوب القصائد القصيرة والمضغوطة ! وتنفر من القصائد الطوال إلا في الاستثناءات التي أشرت لها.

امتداد --- الفاتنة بين الرومانسية والضجيج --- جريدة الجزيرة الأحد 28 ربيع الثاني 1437


هناك من يجزم أن لكتابة القصيدة طقوساً معينة وأجواء خاصة.. تستحثها للشاعر وتقربها منه.. والبعض يظن - وهو ظن يقترب من اليقين - أن الإضاءة الهادئة والألوان الجميلة والورد والعطر وديكور المكان محفزات هامة وضرورية لاستدعاء الحالة الشعرية وكتابة القصيدة.. بل إن هناك من ذهب لأبعد مما سبق، واعتقد أن القصيدة لا تأتي إلا ليلاً، وفي ساعة متأخرة ووفق الطقوس الأنفة الذكر كلها أو بعضها!.
كثيرون يعتقدون أن الأجواء الهادئة والرومانسية تستدرج القصيدة وتساهم كثيراً في صياغتها وجزالتها بعد أن تغريها بالحضور.. هناك من يربط الأمكنة والأزمنة والبيئة المحيطة بهما مع هطول الشعر ومطر الموهبة ويعتبر العوامل المحيطة جزءاً أساساً ورئيساً في استحضار الشعر.
في اعتقادي أن كل الأجواء المشار إليها أعلاه وكل الممارسين والداعين لها تعاملوا مع الأمر بسطحية لا تخلو من طيبة قلب! دون مراعاة حقيقة الشعر وماهيته.
كل الأجواء السابقة قد تستدرج القليل من الشعر والكثير من النظم لدى البعض لكنها ليست من مُسلمات الحالة الشعرية ولا من يقينيات الشعر الحق.
الكثير من الشعراء كتبوا الكثير والجميل من قصائدهم في أجواء تختلف عما سبق وتتقاطع مع الطقوس المشار إليها آنفا.
هناك شعراء داهمتهم القصيدة وسط حالة من الفوضى والضجيج ودعتهم للتوحد معها والانفراد لكتابتها.
الكثير من الشعر كتب وسط أجواء مزدحمة وضجيج لا يتواءم معه!. أعرف شعراء مهمين كتبوا عدداً من قصائدهم إما في الصحراء أو في الطرق وهم في سفر، بل إن هناك من كتب قصيدة أو أكثر أو داهمه مطلعها في مناسبة أو جلسة اجتماعية أو أدبية!.. الأمر طبيعي جداً!.

امتداد --- بيضة الديك --- جريدة الجزيرة الأربعاء 24 ربيع الثاني 1437


لا أعرف قائل هذا المثل أو مخترع هذه العباراة إن كان لها قائل أو مخترع! ولا قصتها إن كان لها قصة، هذا الأمر ليس مهماً.. المهم أن هذا المثل يعني حدوث امر ما لمرة واحدة وعدم تكراره !! كما يعني الندرة التي تقترب من الاستحالة.. بل قد يعني الاستحالة نفسها!.
ذكرت هذا المثل وعنونت به المقال في إشارة واضحة وصريحة لكل من ينجز عملاً في أي مجال وينال هذا العمل نصيبا واسعا من القبول والشهرة والنجاح، ثم يصبح مُنجز هذا العمل أسيراً لهذا النجاح طوال العمر، يرفض تجاوزه في البحث عن نجاح آخر إما خشية الفشل أو قناعة بما تحقق والاكتفاء به طول العمر! أو عجزاً عن التجاوز.
كثيرون توقفوا عند اول نجاح ووقعوا فريسة لهاجس الفشل انهم تجاوزوه ! لذلك اكتفوا به منجزاً وتاريخاً شاهداً لهم!.
عدد من الشعراء والأدباء ارتهنوا لهذا الهاجس، واكتفى بعضهم بنجاح أول اغنية أو شيلة أو كتاب يؤلفه او قصيدة حققت نجاحاً كبيراً أو لوحة تشكيلية أو حتى صورة فوتوغرافية فارقة او أي منجز ابداعي يحقق حظوة لدى المتلقي وترحيباً لدى المتابع.. فخافوا من تجاوز هذا النجاح خشية فقدان لذته وبريقه، وهم فاقدوها دون شك بعد فترة قصيرة ان لم يتجاوزوها لنجاح آخر. المغامرة المحسوبة مطلوبة في كل مناحي الحياة.. والنجاح الأول قد يتلوه نجاحات أهم وأجمل.. لأن التوقف عنده والاكتفاء به يعني قتلاً للطموح والجسارة والتوقف عن العطاء والابتكار.