الخميس، 7 مايو 2015

من اوراق شاعر .. بقلم الناقد -- ابراهيم الشتوي -- جريدة الجزيرة الاربعاء 22 ذو القعدة 1427


من أوراق شاعر بالوعي والحس الصادق يرقى مستوى الشعر الأحمد امتلأت نصوصه الشعرية بالحكمة والأسلوب الراقي
ومن شموس الرقي سنجمع سويا سنا للذائقة لنتتبع مسارب الذائقة..
ومن هنا سيكون لنا رحلة بين النور والبلور مع شاعر وتجربته لنعايشها حضورا وحبورا..
لنسلط الضوء على جزء من نصوصه ونحلق في فضاءات حرفه ومنارات رؤاه..
وموعدنا اليوم مع أحمد الناصر الأحمد الذي استطاع بإبداع متقن وكلمات آسرة ساحرة أن يستوطن القلوب في لفظ مشرق وحس صادق.. غارق بالعذوبة والبهاء.. فعندما يكتب بلا ريب يكتب بمداد يسيل إبداعا ويعشوشب نعناعا وينقش في ذاكرة الشعر معاني خالدة وتجربة واعية..
فهو يضع على هامته تاجا مرصعا بالحسن والإتقان..
يبوح لنا بعاطفة جياشة وإحساس مرهف..
فلن نستطيع حصر نصوصه في هذه الأسطر القليلة ولكن سنتجول في حدائق تجربته ورؤاه.
رئيس لجنة التراث والفنون الشعبية بفرع جمعية الثقافة والفنون بالقصيم رئيس منتدى القصيم الشعبي..
ونشرت قصائده في الصحف والمجلات السعودية وعدد من الصحف والمجلات الخليجية..
نشرت له العديد من الدراسات المتعلقة بالأدب الشعبي..
شارك في العديد من الأمسيات الشعرية..
أجريت معه العديد من اللقاءات والحوارات الصحفية.. والتلفزيونية والإذاعية..
إلى أول نبضة في قلب حبيبنا أحمد الناصر الأحمد
فهو دائما ما يهدي لنا الحنكة والحكمة في نصوصه ويرتب نظرنا للأعلى والقدوم بكل ثقة واقتدار وإن كان الخطاب في المشهد الشعري ليس موجها للمتلقي مباشرة ولكنه يعزز ذلك بأسلوبه غير المباشر مما يضفي على نصوصه بعداً آخر فلنمعن النظر في ذلك..
وإذا نادى لك العادي على شان الرجوع افعي
مادامك بالطريق الصعب قدرت تثبت الجرّه
ولا تركن على بعض الشجر لوهي عطتك الفي
وشخص ما اعترض دربك فلا تفيده ولا تضره
وإذا طال الظلام وضاق دربك فالنهاية ضي
قبل ماياصالك برد الهبوب اصبر على حرّه
وهنا كما قلت آنفا يعزز دور الثقة والبعد عن التقليد أو الدوران في مدارات الغير.
(ما دام ان غايتي حاجة (كبيرة) حالفٍ ما أهاب... ولا امشي في طريقٍ خبرت الرجلين تمشي به)
وقوله في نص آخر.. حيث يلخص أسلوبه في الحياة وكيفية تعامله مع الغير ومدى ثقته بنفسه واعتزازه بها..
انا اروم الصعب واصارع الكود
ابعد هدف ما يبتعد عن رسولي
بي طيبة لكنها فوق بارود
وبي حدةٍ لو كان طبعي خجولي
احيان اسافر وابتعد.. وابتعد زود
من شان اعود والحقيقة ذلولي
واحيان اغامر واقتحم ذروة الطود
ما ارجع لما اشبع باقتحامي فضولي
صور تترى ومعان عميقة يسطرها بحسه ويضفي عليها فلسفته الواعية ورؤاه المنبثقة من ثقافة مكتنزة باللغة والمفردة المنتقاة
يقول في أحد نصوصه:
الزمن طير هزيل وصرت له جنحان
واحس ان الألم سلك طويل وعمري المكره
ترى بعض العجاج اهون على الطرقي من الدخان
وطول اليوم ما يطفي لهيب الشوق عن بكره
وترى اكثر من يخاف من المطر من يسكن الوديان
ومن هو بالعطش مذبوح يشرب موية عكره
والحب عنده معنى سام وحس صادق ورؤية عميقة يقول في أحد نصوصه:
كرهت الحب.. تدري ليه؟ لأن الحب صار اسهاب
جميع الناس تصبح به وكل الناس تمسي به!!
وصار الحب في غربه لأن العاشقين اغراب
ألاوش ينبغي بالحب لا من غابت الهيبه؟!
وفي هذه الأبيات حيث يتلاعب بالألفاظ بوعي تام دون إخلال بالمعنى أو تكرار يفقد البيت توهجه أو يقتل الفكرة..
بديت في زلزال واشعلت نورك
وعند الرحيل اطفيت نورك بزلزال
ما قول لك مثلت واتقنت دورك
بس أسألك عن حب مثل الجبل زال
وفي نص آخر يغرس المفردة الشعبية بكل ما تحمله من معان وألفاظ قديمة محاولاً أن يجسد الماضي بالحاضر ويحفظها من النسيان والاندثار.. ومن نص طويل يقول فيه:
نسيتي المزح با لقبه
ونسيتي لعبنا الطبه
نسيتي كشختي دايم
بثوب دوبلي خبخبه
نسيتي غترة الململ
تغطيني تقل جبه
نسيتي الركض بالطاية
لا صار بدارنا شبه
نسيتي ثوبك التنتر
وغيظك لا انقطع حبه
إلى آخر النص
إن أول ما يثير إعجابنا واهتمامنا بنصوص أحمد الناصر هو أسلوبه الذي يوحي بسليقة لغوية ترتوي من ثقافة واسعة وذكاء في اقتناص الصور والتراكيب ينأى في بنائها وتكونها عن التقريرية المباشرة وترتكز على التلقائية المتدفقة عن وعي عميق وثقافة مكتنزة بالإبداع عبر لغة متفجرة ومهيمنة على حدود الفكرة وخلجاتها من خلال استثمار اللغة الشعرية التي تنساب في نصوصه ومثل ذلك:
يا قطعة السكر وذرات الاحساس
في نكهتك حسيت بااهلي وناسي
طعمك جرى بالدم يا عطر الانفاس
الغيت خوفي.. حيطتي واحتراسي
وبهندسة إبداعية متكئة على رؤى تسبر أغوار المعنى وتنبثق منه بدقة متناهية مترابطة الوحدة والبناء مكونة له أسلوبا ومنهاجا يمنحه التفرد وعدم التبعية المطلقة في سياق النص الشعري ونلاحظ ذلك في قوله:
كان الشعر يكره قيود المشابك.. فاللي جرح حلم الليالي شبابيك.. يا سيد الأحباب بي مثل ما بك.. أنا أحبك حيل واهواك واغليك.. ذا حب،، لا،، ذا عشق،، لا، ذا تشابك.. أبحرت أدور عنك في وسط عينيك.. كل القصايد نوخت عند بابك الشعر شعري والمعاني معانيك).
وكذلك في قوله:
يا واقفة والشعر أرضٍ ما تطيق الانتظار
إما ادخلي ببلا هلا والا ارحلي ببلا شره
هذا التردد داخلك ما ينتهي غير بقرار
هذا الصدى من أي صوت من وين حدد مصدره؟
قدام عينيك المساحات الكبيرة والبحار
هناك ممدودٍ جسر إن كان ودّك تعبره
وعبر لغته الشعرية المكثفة المتمردة يجد القارئ روحه أمام رؤى تلغي فكرة المضمون بالمفهوم الكلاسيكي عبر تجديد واعٍ وفني مدروس ومرتب له لينمو نحو الشمس تاركاً للمخيلة تجاوز حدود الواقع والمضي قدماً نحو فضاءات الخيال..
ملل يا الانتظار الصعب.. يا حلم نبت بالتيه
ملل كل المواعيد الغبيه.. كل ما فيها
ملل للرغبه الهشه لا ماتت بين (لا) و(أيه)
ملل لاحلام ما تكبر مثل هقوات راعيها
وهذا بكل تأكيد قمة في التناسق بين اللفظ والإيقاع في خلق مناخ كامل التعبير وإيقاعات في نص شاعري أخاذ في حضور ينم عن تجسيد للتجربة الشعرية لدى أحمد الناصر الأحمد وهذا بمجمله يدل على رؤية فلسفية وبُعد فكري يمتلكها شاعرنا ضمن فضائه الثقافي والاستنباطي الذي يتميز به في قصائده عموماً.
إبراهيم الشتوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق