الأربعاء، 28 ديسمبر 2016
الأربعاء، 7 ديسمبر 2016
الأحد، 4 ديسمبر 2016
( محطات من مسيرة الشاعر احمد الناصر الأحمد ) جريدة المدينة السبت 4 / 3 / 1438 هـ
لكل مثقف محطات مهمة في تجربته، وفي الشعر تحديدًا يمر الشاعر بعدد من المحطات والمراحل، التي تشكل في مجملها تجربته الشعرية، قد تقوده محطة ما إلى نجاح آخر وتشكل له منعطفا مهمًا بتأثيرها المعنوي، وربما تزرع فيه نفسيته الإحباط وتخلق له حالة من الملل في مرحلة، ولكنها تبقى بتفاصيلها الصغيرة في الذاكرة تستعيد قراءتها وتفاصيلها في لحظة كتابية فيها من الحميمية الشيء الكثير.. هنا يسرد لكم الشاعر المعروف أحمد الناصر الأحمد بعض محطات تجربته الشعرية والإعلامية والكتابية أيضًا..
* للبيئة الشعبية البسيطة التي عشت بها طفولتي دور مهم في نشوء موهبتي كما أنها محطة أساسية في تشكّل بداية تجربتي الشعرية حيث السهرات (التعاليل) في أسطح البيوت الطينية، التي كان نبضها وإلقها القصص والحكايات (السباحين) التي تتضمن قصص الفرسان المقاتلين والعاشقين على حد سواء بما فيها من أشعار تحلق بالخيال وتذهب بالمستمع بعيدا! .
والدتي رحمها الله كانت ملهمتي الأولى وصاحبة الفضل الأعلى في سرد القصص ورواية الأشعار.. ثمة محطة هامة بالنسبة لي أذكرها وأشكر عليها شقيقتاي (أم محمد وأم صالح ) أطال الله في أعمارهما، حيث حدثتاني وما زالتا تذكراني في أبيات كتبتها وأنا في الصف الرابع أو الخامس ابتدائي أمتدح فيها بيتا طينيا فسيحا استأجره الوالد، رحمه الله، لسكننا جنوب بريدة هذه الأبيات سأفصح عنها لأول مرة لأنها من وجهة نظري – رغم تواضعها - نقطة البداية وأول الغيث ! :
أويّ بيتا نزلناه
متوسطا من كل الجهاتي !!
منّا دكاكين منّا خباز
منّا شوارع وسيعاتي
أويّ جيرانه ممتاز
ماجا منهم قصوراتي
يجون باليوم ثلاث مرات
ما يوجدون بالبلاداتي !
* الشاعر عبدالله الثميري محرر تراث الجزيرة الأسبق، رحمه الله، هذا الرجل النبيل احتضن خطواتي الأولى في النشر ومنحني وقصائدي دافعا قويا لمواصلة الركض في ميادين الصحافة، كان ذلك عام 1401 هـ وما تلاه ولا تزال قصيدة (أنا أهبك بس يبغى هلاوة) كأول قصيدة نشرها لي ذات مكانة خاصة بالقلب والذاكرة ويأتي بعده زميلان منحاني الكثير من الدعم في في بداية مسيرتي مع النشر وهما المبدعان الحميدي الحربي حين كان محررا شعبيا في جريدة المدينة، ومن ثم انتقل لجريدة الجزيرة، وعبدالله زهير الشمراني، محرر البلاد النبطية في جريدة البلاد، في حينها .. شكرا لهاتين القامتين أطال الله في أعمارهما .
* مساهمتي في تأسيس جمعية الثقافة والفنون بالقصيم عام 1404هـ ورئاستي لإدارة التراث والفنون الشعبية بها لأكثر من عقدين، مما أتاح لي فرصة خدمة شعراء القصيم بكل صدق وحماس وتجرد ودعم الموروث الشعبي في المنطقة .
* إشرافي على صفحات (حقول السنابل) بمجلة اقرأ ولمدة أربع سنوات بدأ من عام 1409هـ حينما كان الأستاذ يحيى باجنيد رئيسا لتحريرها.. هذه التجربة منحتني فرصة جيدة وجميلة للتعاطي مع العمل الإعلامي بشكل مباشر ومعرفة متطلبات وأسرار المطبخ الصحفي! كما منحتني فرصة عظيمة لخدمة الشعراء الشبان والتركيز على عطاءاتهم وخدمتهم .
* التعاطي مع الكتابة النثرية وهي الجناح الثاني، الذي أحلق به في فضاءات الحرف والكلمة تجسّد ذلك من خلال بعض الأطروحات النثرية التي نشرتها في أكثر من صحيفة إضافة لعدد من الزوايا، التي كان لصحيفتي الجزيرة والبلاد نصيب الأسد منها.. والعمل الكتابي منحني فرصة جيدة لطرح الكثير من رؤاي وتصوراتي عن ساحة الأدب والشعر الشعبي كما أسهم في وضوح أطروحاتي في العديد من الملتقيات والنقاشات الفكرية والأدبية .
* تجربتي مع الطفل وتعاملي عن قرب معه من أهم المحطات في حياتي.. حيث قمت بإعداد برنامج أطفال القصيم التلفزيوني من خلال محطة تلفزيون القصيم لما يقارب العقد من الزمن كما كتبت للطفل ما يقارب السبعين أنشودة تلفزيونية.. وفي يقيني أنني الشاعر الشعبي الوحيد على مستوى المملكة والخليج، الذي قدم مثل الخدمة الثقافية والأدبية والتربوية للطفل أقول هذا من باب الاعتزاز بما قدمت وليس من باب الغرور رغم عتبي على ساحتنا الشعبية وعلى الكثير من القائمين عليها لتجاهلهم هذه التجربة سواء خلال قيامي بها أو حتى أثناء تكريمي وما بعده.. وأظنه سهوا منهم لا جهلا أو تجاهلا!.. تجربتي مع الطفل توجتها وزارة الثقافة والإعلام من خلال تكريمي كرائد من رواد ثقافة الطفل في السعودية مع قلة من الرواد الكبار يأتي في مقدمتهم طاهر زمخشري وعبدالكريم الجهيمان.. رحمها الله.. وأعتبر هذا التكريم أهم تكريم حصلت عليه.. حفل التكريم أقيم قبل سنوات في مركز الملك فهد الثقافي بالرياض ورعاه وقتها معالي وزير الثقافة والإعلام .
* ديوان (الأسوار)، الذي ضم مجموعة مهمة من قصائدي الوجدانية والذاتية ولعله يكون – بإذن الله – خطوة إيجابية ومحطة محفزة من أجل جمع بقية قصائدي في دواوين أخرى فما زال لدي الكثير من القصائد الوطنية والاجتماعية والتراثية، التي لا تزال حبيسة الملفات والأوراق ناهيك عن أناشيد الطفل وبعض القصائد الرياضية .
* قبل الختام لابد من الإشارة إلى بعض العناوين لمالها من تأثير على تجربتي ومسيرتي وسأشير لبعضها باختصار مراعاة لمحدودية المساحة.. من هذه العناوين تجربتي في كتابة القصيدة الفصيحة منذ البدء قبل التوقف والاكتفاء بالنص الشعبي.. كذلك قصيدتي المعروفة (نسيتي المزح بالقبة) التي أعتبرها عنوانا تراثيا شعبيا لافتًا في مسيرتي الشعرية.. كذلك قصائدي في نادي الرائد ببريدة محطة هامة لا يمكن تجاهلها .
السبت، 21 مايو 2016
الأربعاء، 16 مارس 2016
امتداد --- السحابة الغامضة --- جريدة الجزيرة الأحد 4 جمادى الآخرة 1437
مثل السحابة حين تتشكّل من بخار الماء/ البحر ثم تتصاعد بفعل الحرارة نحو السماء تتكثّف.. تجتمع تعود - بإرادة الله - نحو الأرض مطرا عذبا زلالا.. عملية تشكّل القصيدة في وجدان الشاعر ونشوءها واكتمالها تشبه إلى حد كبير تمرحل نشوء السحابة حتى تمطر.. اشعر أن العمليتين متشابهتان او قريبتان من بعض.. قلت: اشعر..!.
إذا كان المختصون والخبراء في علوم الطقس والمناخ قد استطاعوا دراسة ورصد تمرحل السحابة من النشئة حتى الهطول! فإن النقاد والمشتغلين في الأدب قد وقفوا عاجزين عن التحليل الدقيق والصائب والمقنع لتمرحل القصيدة في وجدان ومخيلة الشاعر منذ النشئة حتى الهطول!.
كل ماقيل ودوّن عن هذه العملية المعقدة - نشأة القصيدة وتمرحلها - هو مجرد اجتهادات تتعامل مع الشكل وتتوجس او تعجز عن الولوج للداخل بما فيها مقارنتي السابقة!.
نعم كل ما قيل هو اجتهادات وتخرصات ومحاولات تظنها للوهلة الأولى قد شخصّت الحالة وقبضت على سرها وأحاطت بمكوناتها لكنك تكتشف لاحقا انها مجرد محاولات تقنع محدودي الفهم الذين يقفون عند سطح الشعر ويكتفون بالفرجة على ساحله! دون أن تقنع سواهم!.
إن الغوص في عمق الحالة الشعرية ومحاولة استنطاق كنهها وتعريفها بشكل صحيح وكامل ومقنع وثابت ضرب من المستحيل ترومه الإجتهادات ولاتصل إليه!.
الاثنين، 22 فبراير 2016
امتداد --- الأغنية المٌحتشمة --- جريدة الجزيرة 12 جمادى الأول 1437
قبل ثلاثة عقود تقريبا عٌرف وانتشر مايسمى بالنشيد الإسلامي وكان محكوما بضوابط صارمة ومعايير قوية - من حيث الكلمة واللحن - يصعب على أي منشد تجاوزها أو القفز فوقها.. كانت ألحان الأناشيد الإسلامية في بدايتها جديدة ومبتكرة وخالية من المؤثرات تماما سوا بعض المؤثرات البشرية الخفيفة التي لاتدركها إلا الأذن المتخصصة! كما أن قصائد الأناشيد تٌختار بعناية وهي في الغالب قصائد حماسية ووعظية تتناول قضايا الدين والأمة وتكرّس بعض القيم والأخلاق الفاضلة وكان الغزل مستبعدا ومنفيا عن تلك الأناشيد .. استمر حال النشيد الإسلامي على هذا النسق سنوات وبرز له روادا صنعوا له ولهم حضورا واسعا وجماهيرية كبيرة .. بعدها بدأ النشيد يتنازل عن بعض مٌسلماته وقناعاته ودخل الى ساحته اسماء جديدة تحايلت على النسق الموجود بإدخال بعض المؤثرات البشرية أولا والطبيعية ثانيا ثم التطريبية بعد ذلك! وانفتحت على أغراض شعرية جديدة لم تكن مألوفة من قبل بما فيها الغزل!. تسارعت الخطى في هذا الفن الجديد فظهرت الشيلة او الشلّة وانتشرت بشكل واسع وتداخلت مع النشيد وأصبح الفصل بينهما صعبا لغير العارفين المتخصصين بهما..
من هنا اتسعت دوائر الأناشيد والشيلات وأصبح وجود المؤثرات بكل أشكالها وأضحى التلحين بالآلات الموسيقية أمراً طبيعياً! وأصبح الفن الشعبي ساحة مباحة لأقتباس الألحان وسرقتها! كما أضحى الغزل الحاضر الأقوى في أغلب منتجات النشيد والشيلة بعد أن كان مستبعدا في السابق ودخل في المجال متطفلون من غير اهله ولم يصمد إلا قلة من المخلصين لهذا الفن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل دون تقنين أو محاسبة!.. لقد أصبح النشيد في الكثير من أشكاله والشيلات في الغالب من نماذجها أغاني مستترة أو متحجبة أو محتشمة! الكثير منها مكرور ورديء والقليل جيد وجميل!.
امتداد --- نسيت --- جريدة الجزيرة الأربعاء 8 جمادى الأول 1437
كنت وما زلت أغبط الأشخاص الذين يتمتعون بذاكرة قوية قادرة على الحفظ والاستذكار.. في كل مجلس أدبي أوجد فيه يصادفني رجل أو أكثر ممن يحفظون قصائد كثيرة طويلة وقصيرة ويسرد ما استطاع منها مع أحداثها ومسبابتها - ما شاء الله - وكأنه يقرأ من ورقة.. القدرة على الحفظ ملكة جميلة يهبها الله لبعض عباده وينبغي رعايتها والحرص عليها ومداومة شحذها والعناية بها.. كتب الأدب والتاريخ تمنحنا نماذج من رجال لديهم قدرات فائقة على الحفظ فمنهم من يحفظ كتباً كاملة ومنهم من يحفظ حوادث أو قصص أو قصائد بمجرد سماعها لأول مرة.. الشواهد كثيرة والنماذج متعددة لكن حديثي في هذا المقال يقتصر على الشعر.. والرواة هم الأبرز في هذا الجانب لكونهم يتمتعون بقدرة فائقة على الحفظ والتذكر والاسترجاع.. أما الشعراء فهم منقسمون إلى قسمين.. القسم الأول وهم الأغلبية - وأنا منهم بلا فخر - شعراء أصبحت الورقة ذاكرتهم الأهم ترصد قصائدهم وتحفظها وإليها يلجؤون عند إلقاء أي قصيدة قبل أن تتحول الورقة إلى جهاز الجوال في مرحلة لاحقة!.. هؤلاء الشعراء وهم السواد الأعظم لا يحفظون إلا القليل من شعرهم.. أما الكثير منه فهو رهين التدوين في الورق وذاكرة الهاتف!
القسم الثاني.. شعراء يحفظون كل قصائدهم أو أغلبها على الأقل وهؤلاء يتفوّقون على القسم الأول في الأنشطة المنبرية والمناسبات المختلفة والمجالس في الاستحضار والإلقاء كونهم ينصهرون مع القصيدة بدون الاستعانة بورقة أو جوال.. كما أن تفاعلهم أقوى وأجمل وتعابير أيديهم ووجوههم أكثر تناغماً واتساقاً.
الأحد، 14 فبراير 2016
امتداد --- المزهرية --- جريدة الجزيرة الأحد 5 جمادى الأول 1437
أبدع فهد السطامي كثيرا - في قصيدة «المزهرية» - في رسم لوحة شعرية مليئة بالإحساس النابض والشعور المتوقد والصور والأفكار المتجلية.. حلق فهد عاليا في تهيئته الجميلة وتوطئته الرائعة قبل الولوج الى عمق النص حيث النبيل الأصيل من المشاعر والأنيق العميق من الأحاسيس:
الدلع مخلوق لجلك والترف والمقدرية
والقلق مخلوق من شان اسهرك لاصرت راحل
مثلما للورد قيمة في حياة المزهرية
قيمة العمر بوجودك لوهشيم الوقت قاحل
وانت لولا الحب جاوزبك مدارات البريه
ماضويت اشهى سنيني لاحتفالاتك مراحل
الآن تحتدم الحالة/ القصيدة ويصبح مطر الشعر ديما:
لاذكرت إنك حبيبي هانت الدنيا الزرية
وإن ذكرت إني إحبك فزّع الشوق الرواحل
كلما واجهتني بعيونك النجلا الجريه
عشت خوف الموج لامن قابل صخور السواحل
وش بقى من لين قدك للرماح السمهرية؟
وش بقى من طعم همسك للعسل بين المناحل؟
دام لي شفٍ على لاماك وعزوم ضريه
من يقول إنك سبايب حالي اللي منك ناحل؟!
ياحبيبي والغلا لك والحلا والمقدرية
والألم مخلوق لجلي والقلق لا صرت راحل
السبت، 13 فبراير 2016
امتداد --- هل انتهى زمن المعلقات --- جريدة الجزيرة الأربعاء 1 جمادى الأولى 1437
لم يعد مقبولاً في هذا الزمن كتابة القصائد المطولة وفرضها على ذائقة متلقٍ أَلِف السرعة واعتاد الاختصار.. في الماضي كان الشعر هو سيد الحضور وعطر المسامرات واريج الجلسات والأسفار.. كان هو الصوت الأهم والنديم الأجمل والأسمى ! وكانت الذوائق متعطشة لهذا الفن الجميل كما هي المسامع.. لذلك كانت القصائد الطويلة والملاحم حاضرة ومطلوبة ومرغوبة.. الآن وفي ظل انتشار الأجهزة الذكية وتعلق الكبار والصغار بها وتتبعهم لكل ما تفيض به من معلومات ونقاشات وتنوع معرفي لا يعرف حدا ومن قبلها الإنترنت والفضائيات بكل تنوعها وصخبها، لم يعد يمتلك المتلقي وقتا ولا صبرا كافيين للاستماع لقصيدة طويلة ناهيك عن فهمها واستيعابها.. نحن في زمن السرعة وتضاؤل مساحات الصبر واتساع مساحات الانشغالات وتنوعها.
من وجهة نظري أن القصيدة المبنية على سبعة أبيات كحد أدنى وستة عشر بيتا كحد أعلى هي المقبولة والمستساغة الآن ! كما انها الأكثر قدرة على جذب اهتمام المتلقي متى ما كانت عامرة بالشعر نابضة بالإبداع.. القصائد الطويلة من المفترض إلا يلجأ لها الشاعر إلا في حالات خاصة وفي أغراض ومناسبات معينة لا تستوعبها القصائد القصيرة والمختصرة.. ماعدا ذلك فالوقت والذائقة تتجه صوب القصائد القصيرة والمضغوطة ! وتنفر من القصائد الطوال إلا في الاستثناءات التي أشرت لها.
امتداد --- الفاتنة بين الرومانسية والضجيج --- جريدة الجزيرة الأحد 28 ربيع الثاني 1437
هناك من يجزم أن لكتابة القصيدة طقوساً معينة وأجواء خاصة.. تستحثها للشاعر وتقربها منه.. والبعض يظن - وهو ظن يقترب من اليقين - أن الإضاءة الهادئة والألوان الجميلة والورد والعطر وديكور المكان محفزات هامة وضرورية لاستدعاء الحالة الشعرية وكتابة القصيدة.. بل إن هناك من ذهب لأبعد مما سبق، واعتقد أن القصيدة لا تأتي إلا ليلاً، وفي ساعة متأخرة ووفق الطقوس الأنفة الذكر كلها أو بعضها!.
كثيرون يعتقدون أن الأجواء الهادئة والرومانسية تستدرج القصيدة وتساهم كثيراً في صياغتها وجزالتها بعد أن تغريها بالحضور.. هناك من يربط الأمكنة والأزمنة والبيئة المحيطة بهما مع هطول الشعر ومطر الموهبة ويعتبر العوامل المحيطة جزءاً أساساً ورئيساً في استحضار الشعر.
في اعتقادي أن كل الأجواء المشار إليها أعلاه وكل الممارسين والداعين لها تعاملوا مع الأمر بسطحية لا تخلو من طيبة قلب! دون مراعاة حقيقة الشعر وماهيته.
كل الأجواء السابقة قد تستدرج القليل من الشعر والكثير من النظم لدى البعض لكنها ليست من مُسلمات الحالة الشعرية ولا من يقينيات الشعر الحق.
الكثير من الشعراء كتبوا الكثير والجميل من قصائدهم في أجواء تختلف عما سبق وتتقاطع مع الطقوس المشار إليها آنفا.
هناك شعراء داهمتهم القصيدة وسط حالة من الفوضى والضجيج ودعتهم للتوحد معها والانفراد لكتابتها.
الكثير من الشعر كتب وسط أجواء مزدحمة وضجيج لا يتواءم معه!. أعرف شعراء مهمين كتبوا عدداً من قصائدهم إما في الصحراء أو في الطرق وهم في سفر، بل إن هناك من كتب قصيدة أو أكثر أو داهمه مطلعها في مناسبة أو جلسة اجتماعية أو أدبية!.. الأمر طبيعي جداً!.
امتداد --- بيضة الديك --- جريدة الجزيرة الأربعاء 24 ربيع الثاني 1437
لا أعرف قائل هذا المثل أو مخترع هذه العباراة إن كان لها قائل أو مخترع! ولا قصتها إن كان لها قصة، هذا الأمر ليس مهماً.. المهم أن هذا المثل يعني حدوث امر ما لمرة واحدة وعدم تكراره !! كما يعني الندرة التي تقترب من الاستحالة.. بل قد يعني الاستحالة نفسها!.
ذكرت هذا المثل وعنونت به المقال في إشارة واضحة وصريحة لكل من ينجز عملاً في أي مجال وينال هذا العمل نصيبا واسعا من القبول والشهرة والنجاح، ثم يصبح مُنجز هذا العمل أسيراً لهذا النجاح طوال العمر، يرفض تجاوزه في البحث عن نجاح آخر إما خشية الفشل أو قناعة بما تحقق والاكتفاء به طول العمر! أو عجزاً عن التجاوز.
كثيرون توقفوا عند اول نجاح ووقعوا فريسة لهاجس الفشل انهم تجاوزوه ! لذلك اكتفوا به منجزاً وتاريخاً شاهداً لهم!.
عدد من الشعراء والأدباء ارتهنوا لهذا الهاجس، واكتفى بعضهم بنجاح أول اغنية أو شيلة أو كتاب يؤلفه او قصيدة حققت نجاحاً كبيراً أو لوحة تشكيلية أو حتى صورة فوتوغرافية فارقة او أي منجز ابداعي يحقق حظوة لدى المتلقي وترحيباً لدى المتابع.. فخافوا من تجاوز هذا النجاح خشية فقدان لذته وبريقه، وهم فاقدوها دون شك بعد فترة قصيرة ان لم يتجاوزوها لنجاح آخر. المغامرة المحسوبة مطلوبة في كل مناحي الحياة.. والنجاح الأول قد يتلوه نجاحات أهم وأجمل.. لأن التوقف عنده والاكتفاء به يعني قتلاً للطموح والجسارة والتوقف عن العطاء والابتكار.
الأحد، 31 يناير 2016
امتداد --- سلمى --- جريدة الجزيرة الأحد 21 ربيع الثاني 1437
الحميدي الثقفي شاعر يشعل قناديل قصائده من ضوء القمر.. زيتها وعي مشرق وأشعتها فكر مغدق.. الحميدي بفكره ووعيه وثقافته وتميزه الإبداعي قادر على استنبات الدهشة من تربة التفرد بعد أن يسقيها من مطر ابداعه ووعيه:
صاح بي/ صاحبي.. والليل عطر الكتابه
كيف نبني وطن للمتعبين اغتراب
كيف تطلع يدينك يارفيق الصبابة
وانت للتمر في شفتك طعم الغياب
قلت له: ظلك الناضح بريق ومهابه
اطعن الظل واكتب من دماه الجواب
من رقى نخلة الدفتر وشق السحابة
تغسله باحتمالات المطر والتراب
كلما خدرت صحو السؤال الاجابة
سال قيض تشجر من عروق السحاب
فوق نخل جنو طلعه وخانوا ترابه
وارتدوا فوق ثوب الطين.. طين الثياب
أكرر دائما انحيازي للأسئلة واحب الشعراء الذين يطرحونها بوعي وذكاء والحميدي في مقدمة هؤلاء المتفردين.
المفردة.. الصورة.. وقبلها الفكرة.. تتجلى في هذا النص بمهارة مبدع عرف أن الشعر ليس بريق الخارج ولا جاذبية الشكل فقط.. بل قيمة الشعر في عمقه وجزالته وامتلائه من الداخل.
صبي الغيم يا سلمى لناسٍ غلابه
من عطشهم على الما يحلبون السراب
اظهري مثل نفحة برق.. والفجر غابة
واختفي مثل ورده في ظنون الكتاب
غصنها يعزل الما من سراب التشابه
والنسانيس ترسم به نوافذ.. وباب
الجمعة، 29 يناير 2016
امتداد --- الشبيه --- جريدة الجزيرة الأربعاء 17 ربيع الثاني 1437
هو تتبّعك بكل حركاتك وسكناتك.. عودة الصوت وارتداده إليك.. هو ( النكتف ) للصورة والظل للشخص.. إنه الصدى بكل تتابعه وتبعيته!.
كتبت عنه قبل فترة وأعيد الكتابة عنه الآن بشكل أوضح علّ الرسالة تصل!.
كثير من المبدعين عموماً والشعراء على وجه الخصوص تاهوا وبهتوا وانتهوا لأنهم أصبحوا مجرد صدى لأصوات معروفة ومؤثرة أو حتى شبه معروفة ومحدودة التأثير!.. قلّدوها.. انساقوا خلف ضوئها وبريقها، حاولوا أن يشبهوها أو يتشبّهوا بها لكنهم فشلوا.
الصدى أو الظل لا يصنع دهشة ولا يُنتج إبداعاً مميزاً.. الصدى شبيه والشبيه لا يكون أصلاً بل تابعاً.. حين تختار أن تكون ظلاً فأنت تقرر التخلي عن كل خصائصك الإبداعية ومزاياك الجمالية، وكل قيم التفرد التي تميزك عن سواك لتصبح ،تابعا وصدى يحمل ملامح غيره وصفات لا تتسق مع شخصيته ومكوّناته الشخصية والإبداعية.
أفضل من جسّد الصدى رغم نرجسية التجسيد وعلو صوت الأنا داخل القصيدة، هو الفخم الضخم المتنبي حيث يقول بكل علو وثقة وغرور كما هو في الكثير من قصائده:
وَمَا الدّهْرُ إلاّ مِنْ رُواةِ قَصائِدي
إذا قُلتُ شِعراً أصْبَحَ الدّهرُ مُنشِدَا
فَسَارَ بهِ مَنْ لا يَسيرُ مُشَمِّرا
وَغَنّى بهِ مَنْ لا يُغَنّي مُغَرِّدَا
أجِزْني إذا أُنْشِدْتَ شِعراً فإنّمَا
بشِعري أتَاكَ المادِحونَ مُرَدَّدَا
وَدَعْ كلّ صَوْتٍ غَيرَ صَوْتي فإنّني
أنَا الطّائِرُ المَحْكِيُّ وَالآخَرُ الصّدَى
الأكيد أن عمر الصدى أو الظل قصير وتأثيره محدود وقيمته الفنية والإبداعية ضئيلة جداً.
الأحد، 24 يناير 2016
امتداد --- سيحة البال --- جريدة الجزيرة الأحد 14 ربيع الثاني 1437
(سيحة البال).. حالة استثنائية من الفرح والأنس والعلو.. وهي بالتعبير الشعبي الدارج روقان المزاج و(فلة الحجاج) والوناسة!.. وعلاماتها انشراح الصدر وارتياح النفس والإقبال الجميل على مواطن الفرح والسعادة.. كما أنها دافع جميل للبوح العذب الندي والسوالف الشجية الجميلة.. ومحفزاً قوياً لـ(التهيض) المقمر المعطر.
وسيحة البال مطلب هام ومحبب لكل إنسان سواء كان ذكراً أو أنثى.. وهي للكبار المسكونين بالإحساس المرهف أشد أهمية لأنهم أكثر الناس حاجة لها وفرحاً بها.
سيحة البال -على ندرتها- تخلق لدى المبدع عموماً والشاعر على وجه التحديد حالة من الهياج الشعوري الجميل والإيجابي وتحلق به في فضاءات عالية من الفرح والتفاؤل وتوجد له عوالم جميلة شبه خالية من أسباب الشقاء وبواعث الحزن.
الجميل من القصائد كتبت بسبب هذه الحالة الرائعة والكثير من الجراح تم علاجها بمبضع سيحة البال ودواء الصفح والتسامح والنسيان حاضراً دائماً مع هذه الحالة ومقترنة بها!
وسيحة البال.. تطيب وتكمل مع الفنجال أو يحلو الفنجال بها.. كما يقول راكان بن حثلين في قصيدته الشهيرة.. كما أن للجلاس القادرين على التحليق بك ومعك في سماوات الفرح دور مهم في ذلك.. بعكس ثقيل الدم و(النكدي) الذي يفسد عليك جمال الحالة.
يقول راكان في مطلع قصيدته المعروفة:
يا ما حلا الفنجال مع سيحة البال
في مجلس ٍما فيه نفسه ثقيلة
هذا ولد عم ٍوهذا ولد خال
وهذا رفيق ٍما لقينا مثيله
الأحد، 17 يناير 2016
امتداد --- اهز جذع المسافة --- جريدة الجزيرة الأحد 7 ربيع الثاني 1437
كان فهد عافت بكامل أناقته الشعرية والشعورية والفكرية وفخامته الإبداعية واللغوية وهو ينسج هذا النص الفاخر قبل أكثر من عقدين من الزمن ويقطفه حرفاً حرفاً.. شطراً شطراً من سماوات الإبداع وفضاءات التفرّد.
فهد عافت في العديد من نصوصه القديمة وفي مقدمتها هذا النص الفخم يدرك أنه يكتب بشكل مختلف عن السائد.. نسق يحرض على العلو والبعيد النادر من الأفكار والمعاني.
اهز جذع المسافة ويتساقط مدى
أهز جذع القصيدة ويتساقط نخيل
تزهر يديني أحس انه طريقي بدا
واقول حيا على هذا الفلاح الجميل
أبدا بتجهيز اوراقي، وقطرة ندى
أشوفها من على خد النوافذ تسيل
آخذ معي كل ما يخطر في بالك. عدا
ثوبٍ تركته معلق في جدارٍ هزيل
تبكي الستاير تناديني.. أرد الندا:
عمر الشقي يا ستاير - لا تخافي- طويل
أودع البيت، يا جدران طين وصدى
من كان مثلي رحيله أرض وارضه رحيل؟!
أسير حافي قدم.. دربي ضلال وهدى
وجهي سحاب وظما.. صوتي نواح وعويل
أقطع مشاوير تقطعني بطيب وردى
واصير انا الهين الميسور والمستحيل
وليا لقيت الطريق اللي مشيته غدى
قصير مثل الفرح.. مثل الليالي بخيل
أهز جذع المسافة ويتساقط مدى
أهز جذع القصيدة ويتساقط نخيل
الجمعة، 15 يناير 2016
امتداد --- جا مشبهاني على خف وجناح --- جريدة الجزيرة الأحد 30 ربيع الأول 1437
كثيراً ما أتوقف عند هذا النص الخارج عن نطاق المألوف الفني في زمنه والمتجاوز على الكثير من السائد والمتعارف عليه من القصيد في حينه.. في هذه القصيدة للشيخ الفارس تركي بن حميد صور لم يألفها مجايلوه وأفكار متجاوزة لم يعهدها معاصروه.. والقصيدة رغم بساطتها التي تغري الكثيرين بسبر أغوارها وفهم كنهها، إلا أن فيها الكثير من الرمز والبعيد من الخيال، وقد تكون مرحلة متقدمة من التجديد في الشعر الشعبي.
البعير أو الجمل هنا نوع غريب وعجيب.. مزيج من الواقع والخيال.. يعدو ويطير يأتي بالعجائب! والشاعر هنا يوجه قصيدته لصديقه محمد بن هادي وهو شيخ وشاعر يثمن جزل القول ويزن الأفكار بميزان الفهم والحكمة.. وقد تعامل بن هادي مع قصيدة تركي بن حميد بكل جدية وأولاها اهتماماً كبيراً تقديراً للقصيدة وقائلها.
يقول تركي واصفاً الجمل المُتخيل:
يا راكب اللي ما يداني الصفيري
هميلع من نقوة الهجن سرساح
أمه نعامة واضربوها بعيري
جا مشبهاني على خف وجناح
عليه خرج من سلوك الحريري
وسفايفه مثل الغرابين طفاح
يسرح من الطايف ويمسي البصيري
والسوق والبصرة دهجهن بمرواح
مزهبك يا راعيه تمر ومضيري
واحذر تشب النار يجفل من الضاح
واليا ورد يشرب ثمانين بيري
غرافهن تسعين ودليهن ماح
رجليه بالحرة وصدره يسيري
ويشرب براسه من على جمه رماح
ياويش هو شي طويل قصيري
يسبق زعاجيل الهوا يوم تنداح
يا تركي بن حميد وش ذا البعيري؟
ما تجلبونه كان تبغون الأرباح
لا عاد له خف وجناح يطيري
أنا أذكر الله راكبه كيف ما طاح
كيف النعامة نوخت للبعيري
أقول ذا كذب على الناس فضاح
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)